فصل: قال المراغي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



والذي أقام المفسرين على هذا الرأى- في نظرنا- هو هذا العطف بالفاءات، المتلاحقة.
{فَنَظَرَ نَظْرَةً فِي النُّجُومِ فَقالَ إِنِّي سَقِيمٌ فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ}.. ولأن فاء العطف تفيد الترتيب والتعقيب- هكذا يقول النحاة- فقد جعلوا هذه الأحداث، حدثا واحدا، يضمها مجلس واحد، ويحتويها ظرف واحد من الزمان، لا تتخلله أحداث!.
ولو نظر المفسرون إلى أبعد من مقررات القواعد النحوية الضيقة، لرأوا أن بين الحدث والحدث هنا أزمانا ممتدة، قد تكون أياما، وقد تكون سنين.. فالتعقيب هنا ليس هو التعقيب الفوري، ولو كان ذلك لكانت رؤية إبراهيم للنجم، وللقمر، وللشمس، في ليلة واحدة، مع أن هذا غير وارد ولا معقول.. فقد يكون إبراهيم رأى النجم، ورصد تحركاته ليالى كثيرة، ثم تركه وصحب القمر أياما وشهورا.. وكذلك الشمس.. حتى وصل إلى هذا الحكم الذي قضى به في شأنها جميعا.
قوله تعالى: {فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ}.
ليس التولّي هنا، بعد نظرة إبراهيم نظرته في النجوم- كما يذهب إلى ذلك أكثر المفسرين- وإنما كان توليهم عنه هو نهاية المطاف في دعوته لهم، ومحاجّتهم له.. فقد انتهى الأمر بينه وبين قومه إلى اليأس منهم أن يؤمنوا، وإلى اليأس منه أن يعبد ما يعبدون.
{فَتَوَلَّوْا عَنْهُ مُدْبِرِينَ}.
قوله تعالى: {فَراغَ إِلى آلِهَتِهِمْ فَقالَ أَلا تَأْكُلُونَ ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ} أي تسلل إلى آلهتهم، ودخل عليها بيتها المعدّ لها، من غير أن يراه أحد.. ثم رأى بين يدى تلك الآلهة كثيرا من صنوف المأكولات والمشروبات، وألوان الهدايا التي كان يتقرب بها القوم إليها، فقال ساخرا هازئا: {أَلا تَأْكُلُونَ} فلما لم يسمع جوابا قال متابعا سخريته: {ما لَكُمْ لا تَنْطِقُونَ}.
قوله تعالى: {فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} أي فنزل عليهم يضربهم بيده اليمنى، ويحطمهم حطما {فَجَعَلَهُمْ جُذاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} [58: الأنبياء].
والتعبير بقوله تعالى: {فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا} بدلا من: فأقبل عليهم ضربا للإشارة إلى أنه كان يفعل ما يفعل في حذر، وفى غير جلبة، حتى لا يحدث صوتا يكشف للقوم عما يجرى هنا!.
فالروغ، والرّوغان، ضرب من العمل، في ذكاء وحذر.
وقوله: {بِالْيَمِينِ} إشارة إلى الإرادة القوية التي كان يعمل بها في تحطيم هذه الأصنام، إذ كانت اليد اليمنى هي القوة العاملة في تنفيذ هذه الإرادة.
قوله تعالى: {فَأَقْبَلُوا إِلَيْهِ يَزِفُّونَ} أي حين رأى القوم ما حل بآلهتهم، ووقع ما وقع من اضطراب وبلبلة، وانتهى الأمر بينهم إلى أن إبراهيم هو الذي فعل هذه الفعلة بآلهتهم- أقبلوا إليه مسرعين، في خفة وطيش، ليمسكوا به، وليحاسبوه الحساب العسير على هذا الجرم العظيم!.
والزفيف: هو الصوت الذي تحدثه النعامة بجناحيها، حين تنطلق مسرعة من وجه خطر يتهددها، فتزّف بجناحيها.
وفى وصف القوم بهذا، تشبيه لهم بالنعامة في جبنها الذي يطير معه صوابها، حين ترى، أو تتوهم أنها ترى، خطرا، فتنطلق إلى حيث ترمى بها أرجلها، لا إلى حيث يدعوها عقلها، إذ كانت ولا عقل لها، ولا حيلة عندها، حتى إذا دهمها الخطر، دفنت رأسها في الرمل، وكأنها بذلك قد دخلت مأمنها!! وهكذا القوم في تصريف أمورهم.. إنهم نعام طائش لا عقل لهم، ولا تدبير عندهم.
قوله تعالى: {قالَ أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ}.
وقد كان لقاء القوم لإبراهيم، لقاء عاصفا مزمجرا، كثرت فيه الرميات بالوعيد والتهديد.. وقد ضرب القرآن الكريم هنا صفحا عن كل ما حدث، إذ كان لهذه القصة حديث في غير موضع منه.. واكتفى القرآن هنا بالإمساك بكلمة الفصل في هذه القضية:
{أَتَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ}.
فهذه هي القضية.. وهذا هو السؤال الذي يحسم الأمر فيها.
قوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ} أي أن اللّه خلقكم وخلق الذي تعملون من أصنام وغيرها.
كيف تعبدون ما تنحتون بأيديكم؟ أليس هذا الذي تنحتونه هو من مخلوقات اللّه؟.
إن هذه الأصنام التي تخلقونها بأيديكم هي من مادة خلقها اللّه قبل أن تخلقوها.. فكيف تعبدون ما تخلقون؟ أيعبد الخالق ما خلق؟ هذا وضع مقلوب!.
هذا، وقد كثر الخلاف في تأويل هذه الآية بين المعتزلة والجبرية، وأهل السنة، على اعتبار أن ما هنا مصدرية، وعلى هذا يكون المعنى أن اللّه خلقهم، وخلق أعمالهم.
وقد ترتب على هذا أن قال الجبرية- إن اللّه خالق أفعال العباد، واللّه سبحانه لا يخلق القبيح، وعلى هذا فالأفعال كلّها حسنة، ليس فيها قبيح.
وتعددت في هذا مذاهبهم، واختلفت مقولاتهم.
وقد أنكر المعتزلة هذا التأويل للآية، واعتبروا ما موصولة لا مصدرية، وقالوا إن العبد خالق أفعاله، الحسن منها والقبيح.. ففى الأفعال الحسن والقبيح، ومن ينكر هذا فإنما يكابر في بدهيات الأمور.
وقال الأشعري- من أهل السنة، وممثل رأيهم هنا: إن العبد مكتسب أفعاله، واللّه خالقها!!.
وهذه قضية استنفدت جهد العلماء.. وليس هنا مجال عرضها، وقد عرضنا جانبا من هذه القضية في مبحث خاص من هذا التفسير تحت عنوان: مشيئة اللّه ومشيئة الإنسان- كما عرضنا هذه القضية بالتفصيل في كتابنا: القضاء والقدر.
وبقي أن نقول إن ما في هذه الآية موصولة لا مصدرية، لأنها لو كانت مصدرية لكان قول إبراهيم لقومه: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَما تَعْمَلُونَ} لكان قوله ذلك حجة عليه لا له.
قوله تعالى: {قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْيانًا فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ}.
هذا هو الحكم الذي انتهى إليه رأى القوم في إبراهيم، وهو أن يموت حرقا بالنار، جزاء له على ما فعل بآلهتهم، فليس لمن يفعل هذا إلا أن يلقى هذا العذاب الأليم.. إن إبراهيم كان يحذّرهم نار الآخرة التي يعذب بها اللّه سبحانه الذين يعبدون هذه الأصنام.
وهاهى ذى الأصنام تعذّب بالنار من يعبد غيرها!! أليست آلهة؟ وأليس للإله أن يعذّب بالنار من يكفر به، ويتعدّى حدوده؟.
قوله تعالى: {فَأَرادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْناهُمُ الْأَسْفَلِينَ} أي أرادوا أن يكيدوا لإبراهيم، وأن يأخذوه بهذا العذاب، فنجى اللّه إبراهيم من النار- كما نجى نوحا من الطوفان- وجعلهم هم الأسفلين، كما جعل قوم نوح في قرار الطوفان، وجعل نوحا فوق الطوفان بسفينته.
قوله تعالى: {وَقالَ إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ}.
لقد نجّى اللّه إبراهيم من النار، وأغرق قومه في لجج الكفر والضلال، فتركهم إبراهيم يتخبطون في هذا البحر اللجّى من الضلال، وقال: {إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ} أي إنى متجه إلى ربى، معتزل إياكم، متخذ دارا غير داركم، وموطنا غير موطنكم.. ولا أدرى إلى أين سأذهب.. ولكنى موقن أن اللّه سيهدينى إلى خير دار، وأطيب مقام، هذا هو ظنى بربي الذي أعبده وأسلم أمرى له.
{رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ} وهنا يجد إبراهيم نفسه وحده، بعيدا عن الأهل والوطن.. وقد خلا قلبه من الاشتغال بأمر قومه، فالتفت إلى نفسه، ووجد أن لا ولد له، يؤنسه في وحدته، ويشد ظهره في غربته، فسأل ربه أن يرزقه ولدا صالحا، تقربه عينه حين يراه مؤمنا بربه، لا تختلف بينه وبينه السبل، كما اختلفت من قبل بينه وبين أبيه، هو.
{فَبَشَّرْناهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ} واستجاب اللّه لإبراهيم دعاءه، وجاءته البشرى من اللّه سبحانه بهذا الولد الذي طلبه، وأنه غلام حليم.. رزين العقل، راجح الرأى، يستدل بعقله على مواقع الحق في كل أمر يعرض.. وحسب المرء- كمالا، وصلاحا- أن يكون معه عقل سليم، وإدراك صحيح.. والحلم ضد الجهل.
قال الشاعر:
أحلامنا تزن الجبال رزانة ** وتخالنا جنّا إذا ما نجهل

والجهل من واردات العقل السقيم، والإدراك القاصر.
هذا، ولم يرد في القرآن الكريم أن وصف اللّه أحدا بالحلم غير إبراهيم، وهذا الولد الذي بشر به، وهو إسماعيل عليه السلام.. فقال تعالى: {إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ} [75: هود] وهذا يعنى أن هذا الغلام، هو على صورة أبيه إبراهيم، في كمال عقله، وسلامة إدراكه.
{فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قالَ يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ}.
قيل إن إبراهيم- عليه السلام- حين تلقى هذه البشرى من ربه، رأى أن يكون شكره للّه، على هذا الإحسان، وهذا اللطف، بالمبادرة بالاستجابة لما طلب- رأى أن يكون شكره للّه أن يقدم هذا الولد قربانا للّه.. وكانت تلك عادة أهل هذا الزمن، في المبالغة في التقرب إلى اللّه.
فلما رزق إبراهيم إسماعيل، وهو على نية التقرب به إلى ربه، متى بلغ مبلغ الرجال- رأى في منامه وهو على تلك النية التي لم يحدد لها يوما معينا- رأى في منامه أن يذبح هذا الابن، وكان قد بلغ معه السعى، أي صار قادرا على أن يعمل مع أبيه، وأن يسعى له في بعض حاجاته.. فعرف إبراهيم من هذه الرؤيا أنها تذكير من اللّه سبحانه بالوفاء بما نذر، وأن يوم الوفاء قد جاء.. فكان هذا الحديث الذي جرى بين الأب وابنه.
{يا بُنَيَّ إِنِّي أَرى فِي الْمَنامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ ماذا تَرى} إن الأمر أمر اللّه.. وإن لك في هذا الأمر مثل الذي لى.. فإن رأيت أن تطيع أمر اللّه أطعت أنا أمر اللّه فيك، فما ذبحك بيدي بأقل ابتلاء لى من ابتلائك! فهل أنت مطيع لأمر اللّه؟ إن الأمر إليك في هذا.
{فَانْظُرْ ماذا تَرى} وماذا يرى الولد- وهو صورة من أبيه- إلا الامتثال لأمر اللّه، والطاعة المطلقة لحكمه فيه..؟
{قالَ يا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} إنه جواب المؤمن باللّه، إيمانا لا يرى معه لنفسه حقّا إلى جانب ما للّه فيه من حق.. إنه كلّه ملك للّه، وللمالك أن يتصرف كما يشاء فيما ملك.
قيل: إن قول إسماعيل حين قرن مشيئة للّه بما سيكون عليه من صبر مضاف إلى صبر الصابرين- قد كان سببا في أن وفّاه اللّه جزاء الصابرين كاملا، فنجاه من هذا البلاء، وفداه بالذبح العظيم، على حين أن موسى عليه السلام، إذ قرن مشيئة اللّه بما وعد به العبد الصالح من الصبر، وخص بهذا الصبر نفسه فقال: {سَتَجِدُنِي إِنْ شاءَ اللَّهُ صابِرًا} لم يعط الصبر الذي ينال به ما طلب من صاحبه، من علم، بل تفرقت بينهما سبل بعد ثلاث مراحل على هذا الطريق الذي سلكاه معا.
قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أسلما: أي استسلما لأمر اللّه، ورضيا حكمه فيهما.
تلّه للجبين: أي طرحه على التلّ: والتلّ: المكان المرتفع، كهضبة أو نحوها.. والجبين. الجبهة.. والمعنى: أنه لما أن امتثل الولد ما دعاه إليه أبوه، وأسلما أمرهما إلى اللّه، وأسلم وجه ابنه للتلّ، أي وضع وجهه عليه، حتى لا يرى بعينيه عملية ذبحه، ناداه ربّه: يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا- لما حدث كلّ هذا، قبلنا نذره، وتقبلنا قربانه، وجزيناه الجزاء الأوفى.
{إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} أي فمثل هذا الجزاء العظيم نجزى أهل الإحسان.
فجواب {لمّا} في قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَما} محذوف، دلّ عليه قوله تعالى: {إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}.
وعلى هذا يكون قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَما وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} واقعا في حيّز {لمّا} وهذا الذي ذهبنا إليه يخالف الرأى الذي عليه المفسرون، وهو أن جواب {لمّا} واقع تقديرا بعد {أسلما}.. ويكون قوله تعالى: {وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} كلام مستأنف، وما بعده معطوف عليه.. أو أن الجواب هو قوله تعالى: {وَنادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا} وأن الواو زائدة!! قوله تعالى: {إِنَّ هذا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ} هو تعقيب على هذا الحدث العظيم، وعلى هذا الامتحان الذي امتحن اللّه به عبدين من عباده المؤمنين.
وفى هذا التعقيب تنويه من اللّه سبحانه وتعالى بهذين النبيين الكريمين، وبوثاقة إيمانهما، وأنهما كانا أهلا لهذا الامتحان العظيم.
قوله تعالى: {وَفَدَيْناهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} الفداء: هو افتداء شيء بشىء، وإحلاله محلّه في مقام البذل، والإحسان.
وفى هذا يقول النابغة الذبياني:
مهلا فداء لك الأقوام كلهم ** وما أثمر من مال ومن ولد

والذبح: ما يذبح من الحيوان.
ومن الجزاء الحسن الذي جازى اللّه به إبراهيم، أنه سبحانه تقبل قربانه إلى اللّه بولده، دون أن يصاب هذا الولد بسوء.. ثم ضاعف هذا الإحسان بعد أن تولى سبحانه فداء هذا الولد بهذا الذبح العظيم الذي قدمه لإبراهيم.. فإبراهيم أراد أن يقدم قربانا للّه، فقدم اللّه سبحانه له قربانا من فضله وإحسانه. وهذا ما يشير إليه وصف الذبح بأنه عظيم.. لأنه مقدّم من عند اللّه الذي تقدم إليه القربات!! فما أعظم هذا الإحسان، وما أكرم هذا العطاء، الذي لا يستقلّ بحمده الوجود كله!
وليس الشأن في هذا الذّبح، أكان كبشا نزل من الجنة، أو أخذ من الأرض.. وإنما الشأن في أنه كان رمزا لرضا اللّه، وتبادله الإحسان مع خليله إبراهيم.
قوله تعالى: {وَتَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ}.
ومن إحسان اللّه تعالى على خليله إبراهيم، أن جعل له ذكرا باقيا بعده إلى يوم الدين، وجعل في ذريته النبوة والكتاب.
قوله تعالى: {سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ}.
هو سلام من اللّه عليه، وسلام من المؤمنين باللّه، على من سلّم للّه عليه.
وهذا من الذكر الحسن، الباقي على الزمن،. فعلى لسان كل مؤمن، ثناء وسلام على إبراهيم إلى يوم الدين.
قوله تعالى: {كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}.
أي بمثل هذا الجزاء الحسن، وهو الذكر المتجدد بالثناء، نجزى المحسنين من عبادنا، فنبقى لهم في الناس ذكرا طيبا، ونجعل فيهم الأسوة الحسنة لكل من يريد الإحسان.
قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ}.